نيو هافين ــ في اقتصاد عالمي يتزايد ترابطه، أضحت للروابط بين التجارة عبر الحدود ورأس المال النقدي أهمية أكبر من أي وقت مضى. ويعد رصيد الحساب الجاري، وهو الفارق بين استثمارات دولة بعينها وموقفها الادخاري، مفتاحا لفهم تلك الروابط. وينبئنا تشتت مواقف الحساب الجاري بالكثير عن حالة التوازنات المختلة في العالم، والتي تكون غالبا نذيرا للأزمات.
ينطبق الأمر ذاته على التوترات التجارية، كالتي نراها الآن واضحة في مناطق متفرقة حول العالم، إذ غالبا ما تؤلب الفوارق في الحسابات الجارية دولة ضد أخرى.
من المعروف أن الاقتصادات التي تسجل عجزا في الحساب الجاري يغلب عليها المعاناة من نقص الادخار المحلي. وفي ظل نقص المدخرات مع وجود رغبة في الاستثمار والاستهلاك وتحقيق النمو، لا يكون أمامها خيار سوى اقتراض فائض الادخار لدى آخرين، مما يفضي إلى عجز في الحسابات الجارية وعجز تجاري في مقابل بقية دول العالم. ويحدث العكس للدول التي تتمتع بفائض في الحساب الجاري، حيث تصاب بتدني الاستهلاك، والإفراط في الادخار، والفوائض التجارية المزمنة.
هناك جدال ممتد حول الطرف المسؤول عن هذا الوضع ــ أهي دول العجز التي تعتمد بشكل مفتوح على ادخار الآخرين لتمويل نموها الاقتصادي، أم دول الفائض التي تعتمد في نموها على بيع إنتاجها في الأسواق الخارجية. ولطالما كانت لعبة تبادل اللوم هذه محورا للنزاعات حول السياسة الاقتصادية الدولية والتوترات التجارية، وإن كانت اليوم أشد إثارة للنزاع والجدال.
وتعد الولايات المتحدة صاحبة أكبر خلل في ميزان الحساب الجاري في العالم. فقد اعتادت تسجيل عجز في كل الأعوام منذ 1982، باستثناء عام واحد وهو 1991، عندما دعمت المساهمات الخارجية لتمويل حملتها العسكرية في الخليج الفارسي فائضا ضئيلا (لم يتجاوز 0.05% من الناتج المحلي الإجمالي).
وخلال الفترة بين عامي 2000 و2017، بلغت قيمة العجز التراكمي في الحساب الجاري للولايات المتحدة 9.1 تريليون دولار، وهو ما يفوق الفوائض التراكمية المقدرة بمبلغ 8.9 تريليون دولار التي سجلتها خلال نفس المدة أكبر ثلاثة اقتصادات ذات فائض ــ وهي ألمانيا والصين واليابان.
As the US presidential election nears, stay informed with Project Syndicate - your go-to source of expert insight and in-depth analysis of the issues, forces, and trends shaping the vote. Subscribe now and save 30% on a new Digital subscription.
Subscribe Now
يرى كثير من المراقبين أن الولايات المتحدة تسدي بقية دول العالم معروفا كبيرا بتسجيلها عجزا مزمنا في الحساب الجاري ــ لا سيما فيما يتعلق بدعمها دول الفوائض الكبرى التي تغلب عليها المعاناة من نقص الطلب المحلي. بينما هناك آخرون، وأنا منهم، أكثر انتقادا لولع أميركا الثابت بفرط الاستهلاك والدور الذي تلعبه اقتصادات الفائض في تنشيطه. ورغم وجاهة كلا الرأيين بلا شك، فإن لديّ قلق أكبر من الدور الأميركي في خلخلة التوازن من هذا الجانب.
ولو تأملنا مليا في الأمر لوجدنا أن جذور العقلية الأميركية التي تقدم الاستهلاك وتسوف الادخار، والتي تمثل السبب الرئيس لعجز حسابها الجاري، متأصلة بعمق في اقتصادها السياسي. فلطالما انحاز القانون الضريبي الأميركي للادخار المنخفض والاستهلاك الممول بالدين، كما أن هناك جوانب أخرى تمثل على الأخص معضلة كبرى في هذا الشأن، منها إمكانية اقتطاع فوائد القروض العقارية، وعدم وجود أي ضريبة على القيمة المضافة أو ضريبة قومية على المبيعات، فضلا عن ندرة الحوافز المشجعة على الادخار.
هناك أيضا تأثيرات الثروة الناجمة عن غزارة فقاعات الأصول في السنوات الأخيرة. فبمساعدة وتشجيع من سياسة تسهيل الاقتراض إلى حد المبالغة التي تبناها مجلس الاحتياطي الفدرالي منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، لم يتوقف التأثير المتبادل بين اقتصاد أميركا المعتمد على الأصول، ودورة الاستدانة المضمونة بضمانات متضخمة بالفقاعات، والتي لا تقل ضررا. فما الداعي للادخار من الدخل طالما أن الأسواق التي تفيض بالفقاعات يمكن أن تقوم بالغرض؟ لذا فإن تفضيل الادخار المعتمد على الأصول على الادخار من الدخل يعد سببا محوريا لعجز الحساب الجاري الأميركي.
وقد ابتهجت دول الفائض بالمشاركة سلبيا في هذا الأمر. فلم يكن من المهم بالنسبة لها أن يكون هذا الإسراف الأميركي في الاستهلاك مبنيا على أساس من الرمال المتحركة، حيث ساعد نمو الصادرات المفرط في اقتصادات الفوائض الكبرى على تعزيز الزيادات المفرطة في الاستهلاك من جانب أكبر مستهلك في العالم.
وقد انطبق هذا الأمر بشكل خاص على الصين، التي نمى قطاع صادراتها ستة أضعاف، ليرتفع من 6% من الدخل المحلي الإجمالي في 1980 إلى 36% في 2006، مدفوعا بسياسية دينج شياو بينج القائمة على "الإصلاح والانفتاح".
ففي مقابل العجز الهائل في الحساب الجاري الأميركي، قفز الحساب الجاري للصين من توازن نسبي عام 1980 (أكثر من 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي) إلى فائض ضخم بلغ 9.9% في فترة ما قبل الأزمة عام 2007. وانطبق الأمر ذاته على الاقتصادات الكبرى المتقدمة، لكن بدرجة أقل: حيث ارتفعت حصة صادرات ألمانيا من الناتج المحلي الإجمالي من 19% عام 1980 إلى 43% عام 2007، بينما زادت حصة صادرات اليابان من الناتج المحلي الإجمالي من 13% إلى 17.5% خلال نفس الفترة.
وبالنظر من نواح كثيرة، يمكن القول بأنه قد حدث نوع من زواج المصلحة بين دول الفائض والعجز، ليزدهر في نهاية الأمر ويتحول إلى اعتماد متبادل كامل. لكن بعد ذلك، ومع وقوع الأزمة المالية العالمية في 2008 وما أحدثته من إرهاق وضغوط، توقفت الموسيقي وانتهى عهد الوئام. فمنذ ذلك الحين، اشتدت الخلافات بين دول العجز والفائض، لتصل الآن إلى حد المجازفة باحتمالية نشوب حرب تجارية بكل ما تعنيه.
وقد لعبت إدارة الرئيس دونالد ترمب دورا مضادا للغاية في تأكيدها على الضرر الذي تتعرض له الولايات المتحدة جراء العجز التجاري الكبير. بيد أن الفجوات التجارية التي تعاني منها أميركا أفرزها قصور مزمن في الادخار المحلي الأميركي. ورغم التعديل بالزيادة الذي قامت به الحكومة مؤخرا إلى معدل لا يزال منخفضا وغير مشجع للادخار الشخصي، يبقى معدل الادخار الكلي، الذي يحدد وضع الحساب الجاري، قاصرا لدرجة محزنة، حيث لا يتجاوز صافي متوسطه 1.9% (بالتعديل مراعاة لانخفاض قيمة الأصول) خلال فترة ما بعد الأزمة من 2009 إلى 2017، وهو ما يقل عن ثلث المتوسط الذي كان سائدا في العقود الثلاث الأخيرة من القرن العشرين، وهو 6.3%.
لن يؤدي عجز الميزانية الفدرالية الكبير والمتنامي خلال السنوات العديدة المقبلة إلا إلى تفاقم المشكلة. ويفتقد الإصرار على توجيه اللوم للصين ملاحظة نقطة واضحة ومهمة وهي الهبوط الحاد في فائض الحساب الجاري الصيني في السنوات الأخيرة، حيث انخفض من 9.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2007 إلى 1% في 2018 حسب التقديرات. ففي عام 2017، كان فائض الحساب الجاري للصين البالغ 165 مليار دولار أقل كثيرا من فائض ألمانيا (297 مليار دولار)، واليابان (195 مليار دولار).
ومع إصرار الصين على الدفع قدما باتجاه نوع من إعادة التوازن يقوده المستهلك، فمن المتوقع أن تواصل انتقالها من الادخار الفائض إلى امتصاص الادخار، مع احتمالية واضحة بأن يتحول حسابها الجاري إلى خانة العجز الدائم (فقد سُجل بالفعل عجز صغير في الربع الأول من هذا العام). وسيؤدي ذلك إلى أن تفقد أميركا، الواقعة تحت سيطرة العجز، إحدى دول الفائض التي كانت تعتمد عليها في تمويل نمو اقتصادها الذي يعاني من قصور في الادخار وفرط في الاستهلاك. وقد تتقدم بقية دول العالم لتملأ الفراغ، لكن مع ما تقوم به إدارة ترمب الآن من فك ارتباطها بالعولمة، يبدو هذا مستبعدا للغاية.
يشير التاريخ إلى أن مظاهر الخلل في الحساب الجاري أمر جلل، وإن اقتصادا عالميا لا يزال يعاني من الخلل وعدم التوازن قد يضطر إلى تعلم الدرس المؤلم مرة أخرى في السنوات القادمة.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
Donald Trump is offering a vision of crony rentier capitalism that has enticed many captains of industry and finance. In catering to their wishes for more tax cuts and less regulation, he would make most Americans’ lives poorer, harder, and shorter.
explains what a Republican victory in the 2024 election would mean for most Americans’ standard of living.
The outcome of the AI race could determine the global distribution of wealth and power for generations to come, and Europe is already lagging far behind China, the United States, Israel, Taiwan, and many others. Overhauling the EU's sclerotic, Kafkaesque startup ecosystem has never been more urgent.
explain what is wrong with the EU technology startup system, and what to do about it.
نيو هافين ــ في اقتصاد عالمي يتزايد ترابطه، أضحت للروابط بين التجارة عبر الحدود ورأس المال النقدي أهمية أكبر من أي وقت مضى. ويعد رصيد الحساب الجاري، وهو الفارق بين استثمارات دولة بعينها وموقفها الادخاري، مفتاحا لفهم تلك الروابط. وينبئنا تشتت مواقف الحساب الجاري بالكثير عن حالة التوازنات المختلة في العالم، والتي تكون غالبا نذيرا للأزمات.
ينطبق الأمر ذاته على التوترات التجارية، كالتي نراها الآن واضحة في مناطق متفرقة حول العالم، إذ غالبا ما تؤلب الفوارق في الحسابات الجارية دولة ضد أخرى.
من المعروف أن الاقتصادات التي تسجل عجزا في الحساب الجاري يغلب عليها المعاناة من نقص الادخار المحلي. وفي ظل نقص المدخرات مع وجود رغبة في الاستثمار والاستهلاك وتحقيق النمو، لا يكون أمامها خيار سوى اقتراض فائض الادخار لدى آخرين، مما يفضي إلى عجز في الحسابات الجارية وعجز تجاري في مقابل بقية دول العالم. ويحدث العكس للدول التي تتمتع بفائض في الحساب الجاري، حيث تصاب بتدني الاستهلاك، والإفراط في الادخار، والفوائض التجارية المزمنة.
هناك جدال ممتد حول الطرف المسؤول عن هذا الوضع ــ أهي دول العجز التي تعتمد بشكل مفتوح على ادخار الآخرين لتمويل نموها الاقتصادي، أم دول الفائض التي تعتمد في نموها على بيع إنتاجها في الأسواق الخارجية. ولطالما كانت لعبة تبادل اللوم هذه محورا للنزاعات حول السياسة الاقتصادية الدولية والتوترات التجارية، وإن كانت اليوم أشد إثارة للنزاع والجدال.
وتعد الولايات المتحدة صاحبة أكبر خلل في ميزان الحساب الجاري في العالم. فقد اعتادت تسجيل عجز في كل الأعوام منذ 1982، باستثناء عام واحد وهو 1991، عندما دعمت المساهمات الخارجية لتمويل حملتها العسكرية في الخليج الفارسي فائضا ضئيلا (لم يتجاوز 0.05% من الناتج المحلي الإجمالي).
وخلال الفترة بين عامي 2000 و2017، بلغت قيمة العجز التراكمي في الحساب الجاري للولايات المتحدة 9.1 تريليون دولار، وهو ما يفوق الفوائض التراكمية المقدرة بمبلغ 8.9 تريليون دولار التي سجلتها خلال نفس المدة أكبر ثلاثة اقتصادات ذات فائض ــ وهي ألمانيا والصين واليابان.
Go beyond the headlines with PS - and save 30%
As the US presidential election nears, stay informed with Project Syndicate - your go-to source of expert insight and in-depth analysis of the issues, forces, and trends shaping the vote. Subscribe now and save 30% on a new Digital subscription.
Subscribe Now
يرى كثير من المراقبين أن الولايات المتحدة تسدي بقية دول العالم معروفا كبيرا بتسجيلها عجزا مزمنا في الحساب الجاري ــ لا سيما فيما يتعلق بدعمها دول الفوائض الكبرى التي تغلب عليها المعاناة من نقص الطلب المحلي. بينما هناك آخرون، وأنا منهم، أكثر انتقادا لولع أميركا الثابت بفرط الاستهلاك والدور الذي تلعبه اقتصادات الفائض في تنشيطه. ورغم وجاهة كلا الرأيين بلا شك، فإن لديّ قلق أكبر من الدور الأميركي في خلخلة التوازن من هذا الجانب.
ولو تأملنا مليا في الأمر لوجدنا أن جذور العقلية الأميركية التي تقدم الاستهلاك وتسوف الادخار، والتي تمثل السبب الرئيس لعجز حسابها الجاري، متأصلة بعمق في اقتصادها السياسي. فلطالما انحاز القانون الضريبي الأميركي للادخار المنخفض والاستهلاك الممول بالدين، كما أن هناك جوانب أخرى تمثل على الأخص معضلة كبرى في هذا الشأن، منها إمكانية اقتطاع فوائد القروض العقارية، وعدم وجود أي ضريبة على القيمة المضافة أو ضريبة قومية على المبيعات، فضلا عن ندرة الحوافز المشجعة على الادخار.
هناك أيضا تأثيرات الثروة الناجمة عن غزارة فقاعات الأصول في السنوات الأخيرة. فبمساعدة وتشجيع من سياسة تسهيل الاقتراض إلى حد المبالغة التي تبناها مجلس الاحتياطي الفدرالي منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، لم يتوقف التأثير المتبادل بين اقتصاد أميركا المعتمد على الأصول، ودورة الاستدانة المضمونة بضمانات متضخمة بالفقاعات، والتي لا تقل ضررا. فما الداعي للادخار من الدخل طالما أن الأسواق التي تفيض بالفقاعات يمكن أن تقوم بالغرض؟ لذا فإن تفضيل الادخار المعتمد على الأصول على الادخار من الدخل يعد سببا محوريا لعجز الحساب الجاري الأميركي.
وقد ابتهجت دول الفائض بالمشاركة سلبيا في هذا الأمر. فلم يكن من المهم بالنسبة لها أن يكون هذا الإسراف الأميركي في الاستهلاك مبنيا على أساس من الرمال المتحركة، حيث ساعد نمو الصادرات المفرط في اقتصادات الفوائض الكبرى على تعزيز الزيادات المفرطة في الاستهلاك من جانب أكبر مستهلك في العالم.
وقد انطبق هذا الأمر بشكل خاص على الصين، التي نمى قطاع صادراتها ستة أضعاف، ليرتفع من 6% من الدخل المحلي الإجمالي في 1980 إلى 36% في 2006، مدفوعا بسياسية دينج شياو بينج القائمة على "الإصلاح والانفتاح".
ففي مقابل العجز الهائل في الحساب الجاري الأميركي، قفز الحساب الجاري للصين من توازن نسبي عام 1980 (أكثر من 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي) إلى فائض ضخم بلغ 9.9% في فترة ما قبل الأزمة عام 2007. وانطبق الأمر ذاته على الاقتصادات الكبرى المتقدمة، لكن بدرجة أقل: حيث ارتفعت حصة صادرات ألمانيا من الناتج المحلي الإجمالي من 19% عام 1980 إلى 43% عام 2007، بينما زادت حصة صادرات اليابان من الناتج المحلي الإجمالي من 13% إلى 17.5% خلال نفس الفترة.
وبالنظر من نواح كثيرة، يمكن القول بأنه قد حدث نوع من زواج المصلحة بين دول الفائض والعجز، ليزدهر في نهاية الأمر ويتحول إلى اعتماد متبادل كامل. لكن بعد ذلك، ومع وقوع الأزمة المالية العالمية في 2008 وما أحدثته من إرهاق وضغوط، توقفت الموسيقي وانتهى عهد الوئام. فمنذ ذلك الحين، اشتدت الخلافات بين دول العجز والفائض، لتصل الآن إلى حد المجازفة باحتمالية نشوب حرب تجارية بكل ما تعنيه.
وقد لعبت إدارة الرئيس دونالد ترمب دورا مضادا للغاية في تأكيدها على الضرر الذي تتعرض له الولايات المتحدة جراء العجز التجاري الكبير. بيد أن الفجوات التجارية التي تعاني منها أميركا أفرزها قصور مزمن في الادخار المحلي الأميركي. ورغم التعديل بالزيادة الذي قامت به الحكومة مؤخرا إلى معدل لا يزال منخفضا وغير مشجع للادخار الشخصي، يبقى معدل الادخار الكلي، الذي يحدد وضع الحساب الجاري، قاصرا لدرجة محزنة، حيث لا يتجاوز صافي متوسطه 1.9% (بالتعديل مراعاة لانخفاض قيمة الأصول) خلال فترة ما بعد الأزمة من 2009 إلى 2017، وهو ما يقل عن ثلث المتوسط الذي كان سائدا في العقود الثلاث الأخيرة من القرن العشرين، وهو 6.3%.
لن يؤدي عجز الميزانية الفدرالية الكبير والمتنامي خلال السنوات العديدة المقبلة إلا إلى تفاقم المشكلة. ويفتقد الإصرار على توجيه اللوم للصين ملاحظة نقطة واضحة ومهمة وهي الهبوط الحاد في فائض الحساب الجاري الصيني في السنوات الأخيرة، حيث انخفض من 9.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2007 إلى 1% في 2018 حسب التقديرات. ففي عام 2017، كان فائض الحساب الجاري للصين البالغ 165 مليار دولار أقل كثيرا من فائض ألمانيا (297 مليار دولار)، واليابان (195 مليار دولار).
ومع إصرار الصين على الدفع قدما باتجاه نوع من إعادة التوازن يقوده المستهلك، فمن المتوقع أن تواصل انتقالها من الادخار الفائض إلى امتصاص الادخار، مع احتمالية واضحة بأن يتحول حسابها الجاري إلى خانة العجز الدائم (فقد سُجل بالفعل عجز صغير في الربع الأول من هذا العام). وسيؤدي ذلك إلى أن تفقد أميركا، الواقعة تحت سيطرة العجز، إحدى دول الفائض التي كانت تعتمد عليها في تمويل نمو اقتصادها الذي يعاني من قصور في الادخار وفرط في الاستهلاك. وقد تتقدم بقية دول العالم لتملأ الفراغ، لكن مع ما تقوم به إدارة ترمب الآن من فك ارتباطها بالعولمة، يبدو هذا مستبعدا للغاية.
يشير التاريخ إلى أن مظاهر الخلل في الحساب الجاري أمر جلل، وإن اقتصادا عالميا لا يزال يعاني من الخلل وعدم التوازن قد يضطر إلى تعلم الدرس المؤلم مرة أخرى في السنوات القادمة.
ترجمة: أيمن السملاوي Translated by: Ayman Al-Semellawi