reinhart40_JOHANNES EISELEAFP via Getty Images_usstockmarket Johannes Eisele/AFP via Getty Images

هذه المرة مختلفة حقا

كمبريدج ــ في حين أن الأوبئة من الأحداث النادرة نسبيا، والشديدة منها أكثر ندرة، فإنني لست على عِلم بأي واقعة تاريخية قد تقدم لنا أي تصور واضح للعواقب الاقتصادية المحتملة التي قد تترتب على أزمة فيروس كورونا العالمية الجارية. يبدو أن هذه المرة مختلفة حقا.

الميزة الرئيسية في هذه الواقعة التي تجعلها فريدة من نوعها هي الاستجابة السياسية. فها هي ذي الحكومات في مختلف أنحاء العالم تعطي الأولوية للتدابير الرامية إلى الحد من انتشار المرض وإنقاذ الأرواح، بما في ذلك الإغلاق التام لمنطقة بأسرها (كما حدث في الصين) بل وحتى لدول بالكامل (إيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، على سبيل المثال). كما فرضت قائمة أطول كثيرا من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، حظرا صارما على السفر الدولي، ومنعت مختلف أشكال الأحداث والمناسبات العامة.

الواقع أن هذه التدابير والإجراءات تأتي بعيدة كل البعد عن الاستجابة السياسية للفاشية الفيروسية الأشد فتكا في العصر الحديث، جائحة الإنفلونزا الإسبانية في الفترة 1918-1919 (انظر الرسم البياني). حدثت تلك الجائحة، التي حصت أرواح 675 ألف شخص في الولايات المتحدة وما لا يقل عن 50 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، على خلفية الحرب العالمية الأولى. وهذه الحقيقة وحدها تستبعد إجراء أي مقارنات في ما يتصل بالتأثيرات التي قد تخلفها جائحة مرض فيروس كورونا 2019 في حد ذاته على اقتصاد الولايات المتحدة أو الاقتصاد العالمي.

(الرسم البياني 1)

في عام 1918، حيث بلغت الوفيات الناجمة عن الإصابة بالإنفلونزا ذروتها في الولايات المتحدة، كانت حالات إفلاس الأعمال التجارية عند مستوى أقل من نصف مثيله قبل الحرب، وكانت أقل في عام 1919 (انظر الرسم البياني). الواقع أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 9% في عام 1918، مدفوعا بمجهود الإنتاج الحربي، وارتفع بنحو 1% في العامل التالي حتى على الرغم من تفشي الإنفلونزا.

(الرسم البياني 2)

Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025
PS_YA25-Onsite_1333x1000

Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025

Our annual flagship magazine, PS Quarterly: The Year Ahead 2025, has arrived. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Digital Plus now.

Subscribe Now

على النقيض من ذلك، مع تفشي مرضي فيروس كورونا 2019، تتسبب حالة عدم اليقين الهائلة المحيطة بالانتشار المحتمل للمرض (داخل الولايات المتحدة وعلى مستوى العالَم)، ومدة التوقف الاقتصادي شبه الكامل اللازم لمكافحة الفيروس، في جعل كل محاولات التوقع والتنبؤ لا تختلف كثيرا عن التخمين. ولكن نظرا لحجم ونطاق الصدمة التي أحدثها فيروس كورونا، التي تعمل بشكل متزامن على خلق الطلب الكلي وتعطيل العرض، فمن المرجح أن تتجاوز الآثار الأولية على الاقتصاد الحقيقي تلك التي خلفتها الأزمة المالية العالمية في الفترة 2007-2009.

رغم أن أزمة فيروس كورونا لم تبدأ كأزمة مالية، فإنها قد تتحول إلى أزمة تماثل في شدتها الأزمات الجهازية الشاملة. إلى أن يؤدي انخفاض النشاط الاقتصادي إلى فقدان الوظائف على الأقل، فلا يبدو أن ميزانيات الأسر الأميركية تمثل مشكلة، كما كانت الحال في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمة. علاوة على ذلك، أصبحت رسملة البنوك أقوى كثيرا مما كانت عليه في عام 2008.

لكن ميزانيات الشركات تبدو أقل صحة إلى حد كبير. وكما لاحظت قبل أكثر من عام، فإن التزامات القروض المضمونة، التي توسع إصدارها بسرعة كبيرة في السنوات الأخيرة، تشترك في العديد من أوجه التشابه مع الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري السيئة السمعة التي تغذت عليها الأزمة المالية العالمية.

لقد تسبب البحث عن العائد في بيئة تتسم بانخفاض أسعار الفائدة في تغذية موجات من الإقراض المتدني الجودة ــ وليس فقط في التزامات القروض المضمونة. لم يكن من المستغرب إذن أن يكشف انهيار سوق الأسهم الأخير عن نسب مرتفعة من الروافع المالية وزيادة في مخاطر التخلف عن السداد.

وكأن صدمة فيروس كورونا لم تكن كافية، تسببت حرب النفط السعودية الروسية في خفض أسعار النفط إلى النصف تقريبا، مما يزيد من شدة المأزق الذي يحيط بقطاع الطاقة في الولايات المتحدة. ومع تضرر قسم كبير من قطاع التصنيع بفِعل تعطل سلاسل الإمداد، وإصابة شرائح واسعة من قطاع الخدمات بالشلل، فمن المتوقع أن ترتفع حالات التخلف عن سداد الديون والإفلاس بين الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، على الرغم من التحفيز المالي والنقدي.

علاوة على ذلك، مع توالي فصول أزمة فيروس كورونا في عام 2020، تبدو أوجه التشابه بين الشركات التي تحقق عائدات مرتفعة وصناديق البلدان النامية السيادية متزايدة الحدة.

في حين أثرت الأزمة المالية وأزمة الديون في ثمانينيات القرن العشرين على الأسواق الناشئة، فإن الأزمة المالية العالمية كانت أزمة مالية (وفي بعض الحالات أزمة ديون أيضا) في الاقتصادات المتقدمة. وكان متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في الصين الذي تجاوز 10% في الفترة من 2003 إلى 2013 كافيا لرفع أسعار السلع الأساسية العالمية، الأمر الذي أدى إلى تعزيز الأسواق الناشئة والاقتصاد العالمي. وعلى النقيض من الاقتصادات المتقدمة بعد الأزمة المالية العالمية، تمتعت الأسواق الناشئة بالتعافي الاقتصادي السريع بعد انخفاض حاد.

ولكن في السنوات الخمس الأخيرة، تدهورت ميزانيات الأسواق الناشئة (العامة والخاصة على حد سواء)، وتباطأ النمو بشكل ملحوظ. مع ثبات كل العوامل الأخرى، يجب أن يكون خفض أسعار الفائدة بشكل كبير مؤخرا من قِـبَـل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وغير ذلك من التدابير في الاستجابة للجائحة، كافيا للتخفيف من حدة الظروف المالية العالمية بالنسبة للأسواق الناشئة أيضا. لكن العوامل الأخرى ليست ثابتة على الإطلاق.

بادئ ذي بدء، يكشف الهروب الكلاسيكي إلى سندات الخزانة الأميركية في أوقات الشدة العالمية، والطفرة في مؤشر التقلبات VIX، عن زيادة حادة في العزوف عن المجازفة بين المستثمرين. تتعايش هذه التطورات عادة مع اتساع حاد في الفوارق بين علاوات المخاطر على أسعار الفائدة والانعكاسات المفاجئة في اتجاه التدفقات المالية مع خروج رأس المال من الأسواق الناشئة.

بالإضافة إلى هذا، يقلل انهيار أسعار النفط والسلع الأساسية من قيمة العديد من صادرات الأسواق الناشئة، فيؤثر بالتالي على قدرة هذه الدول على الوصول إلى الدولارات. في حالة الإكوادور الأكثر تطرفا (لكنها ليست فريدة من نوعها)، على سبيل المثال، تُـرجِـمَت هذه المخاطر إلى فارق سيادي يقترب من 40 نقطة مئوية.

أخيرا، كان النمو الاقتصادي في الصين محركا مهما للقروض الكبيرة التي قدمتها لأكثر من 100 دولة نامية منخفضة إلى متوسطة الدخل في السنوات العشر الأخيرة، كما أظهرت في ورقة بحثية حديثة بالتعاون مع سباستيان هورن وكريستوف تريبش. وعلى هذا فإن سلسلة البيانات الاقتصادية الصينية الضعيفة في أوائل عام 2020 تزيد من احتمال انخفاض قروضها الخارجية بشكل كبير.

منذ ثلاثينيات القرن العشرين، لم تشهد الاقتصادات المتقدمة والناشئة مثل هذه التركيبة من انهيار التجارة العالمية، وانخفاض أسعار السلع الأساسية على مستوى العالم، والانكماش الاقتصادي المتزامن. صحيح أن منشأ الصدمة الحالية مختلف إلى حد هائل، وهي أيضا حال الاستجابة السياسية، لكن سياسات الإغلاق والتباعد الاجتماعي التي تنقذ الأرواح تحمل أيضا تكلفة اقتصادية باهظة. إن الطوارئ الصحية من الممكن أن تتطور إلى أزمة مالية. ومن الواضح أن هذه اللحظة تستأهل السعي إلى "اتخاذ كل ما يلزم" من السياسات المالية والنقدية غير التقليدية على نطاق واسع.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/4IjWyvoar