ahzhang1_Su WeizhongVCG via Getty Images_alibaba beijing Su Weizhong/VCG via Getty Images

لماذا تفرض الصين إجراءات مشددة على علي بابا؟

هونغ كونغ-منذ ان أوقفت السلطات الصينية بشكل مفاجئ الطرح العام الاولي لشركة آنت جروب المتخصصة في التقنية المالية في خريف سنة 2020، أصبحت شركتها الام والتي تعتبر ملك التجارة الالكترونية علي بابا تواجه تدقيقا تنظيميا قاسيا وفي ليلة عيد الميلاد أعلنت هيئة مكافحة الاحتكار الصينية انها سوف تحقق في الممارسات التجارية الحصرية للشركة ولقد قلل جاك ما مؤسس علي بابا مؤخرا من المخاوف المتعلقة بمصيره وذلك من خلال الظهور ولأول مرة منذ أكتوبر الماضي عندما القى خطابا انتقد فيه التنظيم المالي في الصين.

ان الإعلان فقط عن اخضاع شركة علي بابا للتحقيق قد أدى الى خسارة 100 مليار دولار امريكي من القيمة السوقية للشركة بين ليلة وضحاها ونظرا للسلطة التنظيمية الكبيرة للحكومة الصينية فإن المستثمرين محقون في شعورهم بالقلق من الآفاق المستقبلية لشركة علي بابا ولكن التحرك المفاجئ والعدواني ضد الشركة يكشف الكثير عن الضعف التنظيمي للنظام.

في واقع الأمر فإن الحكومة الصينية لديها أسباب شرعية لإن تكون حذره تجاه قطاع الانترنت التي تتركز فيه شركات معينة بشكل كبير ومن خلال استهداف شركات عملاقة مثل علي بابا فإن الصين تتبنى توجه تنظيمي عالمي علما ان صناع السياسات في الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي يتعهدون كذلك بفرض عقوبات اشد ضد شركات الانترنت العملاقة الاحتكارية.

وبينما يشعر الامريكيون بالقلق من هيمنة امازون على قطاع التجزئة، فإن المستهلكين الصينيين لديهم ايضا أسباب جيدة تدعوهم للشعور بالقلق من علي بابا ففي 2020 كانت حصة امازون من سوق التجارة الالكترونية في الولايات المتحدة الامريكية أقل قليلا من 40% بينما وصلت حصة منصة تمول وتاوباو الالكترونية التابعة لعلي بابا من سوق التجزئة الالكترونية الصيني الى أكثر من 50%.

ان التحقيقات الحالية التي طالت علي بابا ليست المرة الأولى التي يتم فيها اخضاع الممارسات التجارية للشركة للتدقيق المرتبط بمكافحة الاحتكار. لقد تقدمت جي دي دوت كوم وهي ثاني أكبر شركة للتجزئة الالكترونية في الصين بشكوى لدى هيئة مكافحة الاحتكار ضد علي بابا في 2015 ولقد شعرت جي دي دوت كوم بعدم الرضا عما اعتقدت انه فشل للهيئة في التعامل مع الشكوى مما دفعها لرفع دعوى ضد علي بابا في محكمة صينية والتي ما تزال تنظر بالقضية.

في واقع الأمر كانت علي بابا مهيمنة بشكل أكبر بكثير على قطاع التجارة الالكترونية وفي ذروة نجاحها عندما تم ادراجها لأول مرة سنة 2014، كانت حصة الشركة من سوق التجزئة الالكترونية الصيني أكثر من 80% ومنذ ذلك الحين تآكلت حصتها بشكل تدريجي من قبل شركة جي دي دوت كوم وغيرها من المنافسين مثل شركة بينديوديو.

PS_Sales_BacktoSchool_1333x1000_Promo

Don’t go back to school without Project Syndicate! For a limited time, we’re offering PS Digital subscriptions for just $50.

Access every new PS commentary, our suite of subscriber-exclusive content, and the full PS archive.

Subscribe Now

اذن لماذا انتظرت هيئة مكافحة الاحتكار الصينية لفترة طويلة جدا قبل التحقيق مع علي بابا؟ لقد ربط الكثيرون حملة مكافحة الاحتكار الحالية بخطاب جاك ما في أكتوبر وموقفه المتعنت على ما يبدو تجاه التنظيم وعلى الرغم من ان ملاحظات جاك ما قد تكون الشرارة، الا ان السبب الأساسي يتعلق بالجمود التنظيمي وهي ظاهرة متأصلة بعمق في السياسات البيروقراطية الصينية.

لقد أوضحت في كتابي الذي سوف ينشر في وقت لاحق إنه على الرغم من ان سلطات مكافحة الاحتكار الصينية نادرا ما يتم تحديها في المحكمة، الا أنه يتوجب عليهم مراقبة القواعد الرسمية والضمنية للبيروقراطية بشكل دقيق واجراء تحليل التكلفة والعائد قبل كل خطوة تنظيمية. ان تلك الاعتبارات تؤثر على نوعية القضايا التي يقومون بإثارتها ومقاربتهم في كيفية التعامل معها.

ان أحد تلك القيود يتعلق بمبادرات الحكومة الصينية التي تشجع الابتكار كمحرك للنمو الاقتصادي ففي سنة 2015 على سبيل المثال أعلن مجلس الدولة برنامج "انترنت بلس "وهو برنامج يهدف لتعزيز المزيد من ريادة الاعمال في القطاع الرقمي مما وضع الجهات التنظيمية لمكافحة الاحتكار في وضع صعب وذلك نظرا لإن التنظيم المتشدد جدا قد يحبط الابتكار وريادة الأعمال على المستوى المحلي وآخر شيء يريده مسؤولو مكافحة الاحتكار هو التصرف بطريقة يمكن ان يتم فهمها على انها تخالف اجندة التنمية الوطنية.

ان هذا يوضح لماذا تبنت الجهات التنظيمية الصينية لمكافحة الاحتكار مقاربة " حذرة ومتسامحة" تجاه القطاع التقني وعندما اشتكى المنافسون الساخطون من الممارسات التجارية المسيئة لشركات التقنية العملاقة، فضلت الهيئة تطبيق أدوات تنظيمية متساهلة نسبيا مثل قانون مكافحة المنافسة غير العادلة وقانون التجارة الالكترونية.

ان هذه القوانين لم تكن صارمة حيث ان أكبر غرامات يمكن فرضها بموجب تلك القوانين كانت محدودة نسبيا وعوضا عن البدء بتحقيقات، قامت الجهات التنظيمية المكافحة للاحتكار بعمل مقابلات إدارية مع كل من المنصات الالكترونية الرئيسية عشية يوم العزاب وهو أكبر حدث لترويج مبيعات التجارة الالكترونية في الصين وذلك في محاولة لإقناع تلك المنصات بعدم فرض شروط تجارية مقيدة على التجار.

 وبالمثل ، امتنعت الجهات التنظيمية أيضًا عن التدخل في معاملات الاندماج التي تنطوي على كيانات يتحكم فيها المستثمر على الرغم من عدم امتلاكه لغالبية حقوق التصويت ، وهو هيكل استخدمته العديد من شركات التكنولوجيا الصينية للتحايل على القيود الحكومية المفروضة على الاستثمار الأجنبي في قطاع الإنترنت وحتى أوائل العام الماضي أفلتت المئات من عمليات الاستحواذ من قبل علي بابا وتينسينت بالكامل من رقابة وتدقيق جهات مكافحة الاحتكار وكنتيجة لذلك أصبحت الشركتان من اكبر المستثمرين في الاقتصاد الرقمي الصيني حيث امتلكت الشركتان حصة ضخمة من الشركات الناشئة الخاصة في القطاع التقني والتي تزيد قيمة كل منها عن مليار دولار امريكي.

لقد استمر هذا الجمود التنظيمي حتى كارثة الطرح العام الأولي لشركة "آنت جروب" عندما تلقت الجهات التنظيمية لمكافحة الاحتكار إشارة واضحة من القيادة العليا الصينية لكبح جماح الشركات التقنية العملاقة ولكن التراخي السابق في التنظيم فيما يتعلق بهذا المجال يساهم في معضلة اليوم المستعصية وهي انه عندما ينشأ احتكار ما فإن من الصعب وقف ذلك من خلال استخدام قانون مكافحة الاحتكار علما ان الجهات التنظيمية المكافحة للاحتكار في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية اكتشفت مؤخرا ان مثل تلك التشريعات المكافحة للاحتكار غير فعالة في التعامل مع شركات التقنية الكبرى.

فوق هذا كله فإن الإجراءات التنظيمية المشددة الأخيرة ضد علي بابا تعطي انطباعا بإن تطبيق القانون الصيني يتم بشكل تعسفي وبالطبع لا يوجد قانون يتم تطبيقه ضمن فراغ لكن يبدو ان السلطات الصينية تتعامل مع نفس الممارسات التجارية بطرق مختلفة تماما وذلك عندما تتغير أولويات السياسات وحتى لو بقيت القوانين ذات العلاقة بدون تغيير. ان من المؤكد ان هذه المخاطرة لن تعزز من ثقة المستثمرين في شركات الانترنت المزدهرة في الصين.

https://prosyn.org/QF1fAMHar