بيركلي ـ أثناء الأشهر الأخيرة احتلت الصين مركزاً أساسياً في الحوار الدولي الدائر بشأن الاحترار العالمي. فقد تفوقت الصين على الولايات المتحدة باعتبارها المصدر الأضخم للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري على مستوى العالم، كما لعبت دور النصير الدبلوماسي للدول النامية أثناء المفاوضات التي جرت في بالي مؤخراً بشأن المناخ تحت رعاية الأمم المتحدة. والآن قد تصبح الصين هدفاً لحرب تجارية شاملة قد تدمر ـ أو ربما تنقذ ـ فرص الجمع بين الدول الغنية والفقيرة في مكافحة الاحترار العالمي.
اشتد التركيز على الصين في أواخر العام الماضي، حين كشفت البيانات الجديدة الصادرة عن الهيئة الدولية للطاقة الذرية، وغيرها من المنظمات البحثية، عن سبق الصين للولايات المتحدة باعتبارها المصدر الأضخم على مستوى العالم للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري ـ بل والأسوأ من ذلك أن الانبعاثات الغازية الناتجة عنها تنمو بمعدلات تتجاوز قدرة الدول الثرية مجتمعة على تقليص الانبعاثات الناتجة عنها. وحتى في حالة نجاح الصين في تحقيق أهدافها الخاصة في ترشيد استهلاك الطاقة، فمن المتوقع أن تتزايد الانبعاثات الناتجة عنها بمقدار 2.3 مليار طن متري في غضون الأعوام الخمسة القادمة ـ وهي كمية أضخم كثيراً من مقدار التخفيضات المفروضة بموجب بروتوكول كيوتو على دول "الملحق 1" المتقدمة بما فيها الولايات المتحدة، والتي من المفترض أن تصل إلى 1.7 مليار طن متري.
بعد النهاية غير الحاسمة لمحادثات بالي تحت زعامة الأمم المتحدة بشأن البيئة العالمية، تعاظمت المخاوف في دوائر الصناعات في الولايات المتحدة وأوروبا ـ وخاصة صناعات الحديد، والفولاذ، والأسمنت، والزجاج، والمواد الكيميائية، والورق ـ والتي من المنتظر أن تفرض عليها أية معاهدة جديدة خاصة بالمناخ العديد من القيود التي ستحد من قدرتها على التنافس مع الصناعات المنافسة السريعة النمو في الصين. وفي رده على هذه التهديدات يسعى كونغرس الولايات المتحدة إلى التحرك نحو إنشاء نظام جديد للعقوبات التجارية يفرض ضرائب ثقيلة على الواردات من البلدان الأخرى التي تشكل المصادر الرئيسية للانبعاثات الغازية. ومن عجيب المفارقات هنا أن تقترب هذه الخطة الأميركية من اتخاذ هيئتها النهائية حتى قبل أن تخطو الولايات المتحدة أي خطوة نحو تقليص الانبعاثات الغازية الناتجة عنها، الأمر الذي أدى إلى إطلاق الاتهامات بالنفاق وانتهاك القوانين الدولية والتهديد باندلاع حرب تجارية كبرى.
هذا الاقتراح الجديد الخاص بالتعريفة ـ والذي يشكل القسم المركزي من التشريع الخاص بالاحترار العالمي والذي ينظره الكونغرس الآن ـ سوف يفرض الضوابط على كم الانبعاثات الناتجة عن الصناعات المحلية بداية من العام 2012. كما يفرض التشريع الجديد تعريفات عقابية على المنتجات التي يتسبب إنتاجها في انبعاث كميات ضخمة من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والمستوردة من دول لا تطبق تشريعات مشابهة لتلك المعمول بها في الولايات المتحدة، وذلك بداية من العام 2020. والآن تحاول جماعات الضغط الصناعية والنقابات العمالية ممارسة الضغوط الشديدة سعياً إلى تفعيل هذه العقوبات في أقرب وقت ممكن.
وفي نفس الوقت يؤيد خوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ، والغرف التجارية والصناعية في أوروبا، العمل بنظام مشابه للتعريفات. الأمر الذي يدفع العديد من المراقبين إلى التكهن بأن الاتحاد الأوروبي سوف يتبنى أيضاً نظاماً للتعريفات الخضراء في غضون الأعوام القليلة القادمة.
تحذر سوزان شواب الممثلة التجارية للولايات المتحدة من اندلاع حرب تجارية شاملة إذا ما تم تطبيق هذه العقوبات، وتزعم أن عقوبات التجارة الخضراء تشكل انتهاكاً لقوانين منظمة التجارة العالمية. وفي خطاب حديث موجه إلى لجنة الطاقة والتجارة تقول شواب : "نحن نعتقد أن هذا التوجه يشكل أداة خرقاء لإثارة الخوف، بدلاً من اللجوء إلى الإقناع. وهذا من شأنه أن يدفعنا نحو مسار خطير وأن يؤثر سلباً على المصنعين والمزارعين والمستهلكين في الولايات المتحدة".
في نفس الوقت يحذر حلفاء الدول النامية من أن خطة العقوبات هذه من شأنها أن تدمر فرص التوصل إلى معاهدة يعمل بها العالم في مرحلة ما بعد كيوتو. ولم يرد المسئولون الصينيون مباشرة، إلا أنهم عمدوا إلى تشديد موقفهم من المحادثات الخاصة بالمناخ بشكل ملحوظ. ففي شهر فبراير/شباط قال يو كنغتاي ، كبير مفاوضي المناخ من الصين في الأمم المتحدة، إن الدول الغنية التي أحدثت مشكلة تغير المناخ في المقام الأول، لابد وأن يكون التعامل معها باعتبارها "الجاني"، وأن يكون التعامل مع الدول النامية باعتبارها "الضحية".
رغم الموقف الصيني الرسمي المتشدد، إلا أن بعض المسئولين عن البيئة في الصين يعربون في المناسبات الخاصة عن انزعاجهم بشأن الانبعاثات الكربونية غير المقيدة، ويؤكدون أن التعريفات الخضراء الأجنبية من شأنها أن تقوي أياديهم في التعامل مع الصراعات السياسية الداخلية الدائرة حول السيطرة على الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك بمساعدتهم في الفوز بالدعم السياسي اللازم للعمل على تقليص هذه الانبعاثات. ومؤخراً أيـَّد بان يو ، نائب مدير هيئة حماية البيئة التابعة للدولة، في مقال نشرته صحيفة تشاينا ديلي فرض ضوابط أشد قوة على الانبعاثات الغازية في الصين، وحذر من أن صورة الصين أمام المجتمع الدولي أصبحت في خطر.
الحقيقة أن هذا الصراع المتصاعد بشأن العقوبات التجارية لا يؤدي فقط إلى إبراز السؤال الأخلاقي الجوهري بشأن ما إذا كان لزاماً على الدول الغنية أن تتحمل عبء تقليص الانبعاثات بمفردها، بل إنه يطرح أيضاً تلك المسألة الإستراتيجية حول ضرورة استخدام أسلوب العصا والجزرة في حث بلدان العالم النامي على اتباع السلوكيات الخضراء.
رغم أن الصين قد لا يعجبها هذا، إلا أن النظام التجاري الدولي ربما يكون قادراً على العمل بكفاءة أعظم من أي آلية أخرى في مرحلة ما بعد كيوتو، في التأثير على السياسات البيئية في الدول النامية. ورغم التهديد بنشوب حرب تجارية، إلا أن العقوبات التجارية قد تثبت قدرتها على العمل باعتبارها أكثر السبل فعالية في فرض تحرك دولي شامل في التعامل مع قضية الاحترار العالمي.
بيركلي ـ أثناء الأشهر الأخيرة احتلت الصين مركزاً أساسياً في الحوار الدولي الدائر بشأن الاحترار العالمي. فقد تفوقت الصين على الولايات المتحدة باعتبارها المصدر الأضخم للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري على مستوى العالم، كما لعبت دور النصير الدبلوماسي للدول النامية أثناء المفاوضات التي جرت في بالي مؤخراً بشأن المناخ تحت رعاية الأمم المتحدة. والآن قد تصبح الصين هدفاً لحرب تجارية شاملة قد تدمر ـ أو ربما تنقذ ـ فرص الجمع بين الدول الغنية والفقيرة في مكافحة الاحترار العالمي.
اشتد التركيز على الصين في أواخر العام الماضي، حين كشفت البيانات الجديدة الصادرة عن الهيئة الدولية للطاقة الذرية، وغيرها من المنظمات البحثية، عن سبق الصين للولايات المتحدة باعتبارها المصدر الأضخم على مستوى العالم للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري ـ بل والأسوأ من ذلك أن الانبعاثات الغازية الناتجة عنها تنمو بمعدلات تتجاوز قدرة الدول الثرية مجتمعة على تقليص الانبعاثات الناتجة عنها. وحتى في حالة نجاح الصين في تحقيق أهدافها الخاصة في ترشيد استهلاك الطاقة، فمن المتوقع أن تتزايد الانبعاثات الناتجة عنها بمقدار 2.3 مليار طن متري في غضون الأعوام الخمسة القادمة ـ وهي كمية أضخم كثيراً من مقدار التخفيضات المفروضة بموجب بروتوكول كيوتو على دول "الملحق 1" المتقدمة بما فيها الولايات المتحدة، والتي من المفترض أن تصل إلى 1.7 مليار طن متري.
بعد النهاية غير الحاسمة لمحادثات بالي تحت زعامة الأمم المتحدة بشأن البيئة العالمية، تعاظمت المخاوف في دوائر الصناعات في الولايات المتحدة وأوروبا ـ وخاصة صناعات الحديد، والفولاذ، والأسمنت، والزجاج، والمواد الكيميائية، والورق ـ والتي من المنتظر أن تفرض عليها أية معاهدة جديدة خاصة بالمناخ العديد من القيود التي ستحد من قدرتها على التنافس مع الصناعات المنافسة السريعة النمو في الصين. وفي رده على هذه التهديدات يسعى كونغرس الولايات المتحدة إلى التحرك نحو إنشاء نظام جديد للعقوبات التجارية يفرض ضرائب ثقيلة على الواردات من البلدان الأخرى التي تشكل المصادر الرئيسية للانبعاثات الغازية. ومن عجيب المفارقات هنا أن تقترب هذه الخطة الأميركية من اتخاذ هيئتها النهائية حتى قبل أن تخطو الولايات المتحدة أي خطوة نحو تقليص الانبعاثات الغازية الناتجة عنها، الأمر الذي أدى إلى إطلاق الاتهامات بالنفاق وانتهاك القوانين الدولية والتهديد باندلاع حرب تجارية كبرى.
هذا الاقتراح الجديد الخاص بالتعريفة ـ والذي يشكل القسم المركزي من التشريع الخاص بالاحترار العالمي والذي ينظره الكونغرس الآن ـ سوف يفرض الضوابط على كم الانبعاثات الناتجة عن الصناعات المحلية بداية من العام 2012. كما يفرض التشريع الجديد تعريفات عقابية على المنتجات التي يتسبب إنتاجها في انبعاث كميات ضخمة من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والمستوردة من دول لا تطبق تشريعات مشابهة لتلك المعمول بها في الولايات المتحدة، وذلك بداية من العام 2020. والآن تحاول جماعات الضغط الصناعية والنقابات العمالية ممارسة الضغوط الشديدة سعياً إلى تفعيل هذه العقوبات في أقرب وقت ممكن.
وفي نفس الوقت يؤيد خوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ، والغرف التجارية والصناعية في أوروبا، العمل بنظام مشابه للتعريفات. الأمر الذي يدفع العديد من المراقبين إلى التكهن بأن الاتحاد الأوروبي سوف يتبنى أيضاً نظاماً للتعريفات الخضراء في غضون الأعوام القليلة القادمة.
تحذر سوزان شواب الممثلة التجارية للولايات المتحدة من اندلاع حرب تجارية شاملة إذا ما تم تطبيق هذه العقوبات، وتزعم أن عقوبات التجارة الخضراء تشكل انتهاكاً لقوانين منظمة التجارة العالمية. وفي خطاب حديث موجه إلى لجنة الطاقة والتجارة تقول شواب : "نحن نعتقد أن هذا التوجه يشكل أداة خرقاء لإثارة الخوف، بدلاً من اللجوء إلى الإقناع. وهذا من شأنه أن يدفعنا نحو مسار خطير وأن يؤثر سلباً على المصنعين والمزارعين والمستهلكين في الولايات المتحدة".
BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.
Subscribe Now
في نفس الوقت يحذر حلفاء الدول النامية من أن خطة العقوبات هذه من شأنها أن تدمر فرص التوصل إلى معاهدة يعمل بها العالم في مرحلة ما بعد كيوتو. ولم يرد المسئولون الصينيون مباشرة، إلا أنهم عمدوا إلى تشديد موقفهم من المحادثات الخاصة بالمناخ بشكل ملحوظ. ففي شهر فبراير/شباط قال يو كنغتاي ، كبير مفاوضي المناخ من الصين في الأمم المتحدة، إن الدول الغنية التي أحدثت مشكلة تغير المناخ في المقام الأول، لابد وأن يكون التعامل معها باعتبارها "الجاني"، وأن يكون التعامل مع الدول النامية باعتبارها "الضحية".
رغم الموقف الصيني الرسمي المتشدد، إلا أن بعض المسئولين عن البيئة في الصين يعربون في المناسبات الخاصة عن انزعاجهم بشأن الانبعاثات الكربونية غير المقيدة، ويؤكدون أن التعريفات الخضراء الأجنبية من شأنها أن تقوي أياديهم في التعامل مع الصراعات السياسية الداخلية الدائرة حول السيطرة على الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك بمساعدتهم في الفوز بالدعم السياسي اللازم للعمل على تقليص هذه الانبعاثات. ومؤخراً أيـَّد بان يو ، نائب مدير هيئة حماية البيئة التابعة للدولة، في مقال نشرته صحيفة تشاينا ديلي فرض ضوابط أشد قوة على الانبعاثات الغازية في الصين، وحذر من أن صورة الصين أمام المجتمع الدولي أصبحت في خطر.
الحقيقة أن هذا الصراع المتصاعد بشأن العقوبات التجارية لا يؤدي فقط إلى إبراز السؤال الأخلاقي الجوهري بشأن ما إذا كان لزاماً على الدول الغنية أن تتحمل عبء تقليص الانبعاثات بمفردها، بل إنه يطرح أيضاً تلك المسألة الإستراتيجية حول ضرورة استخدام أسلوب العصا والجزرة في حث بلدان العالم النامي على اتباع السلوكيات الخضراء.
رغم أن الصين قد لا يعجبها هذا، إلا أن النظام التجاري الدولي ربما يكون قادراً على العمل بكفاءة أعظم من أي آلية أخرى في مرحلة ما بعد كيوتو، في التأثير على السياسات البيئية في الدول النامية. ورغم التهديد بنشوب حرب تجارية، إلا أن العقوبات التجارية قد تثبت قدرتها على العمل باعتبارها أكثر السبل فعالية في فرض تحرك دولي شامل في التعامل مع قضية الاحترار العالمي.