BritishFlagUmbrella_James Blunt_Flickr James Blunt/Flickr

وكلاء المراهنات والانتخابات البريطانية

لندن ــ ذات يوم، كنت أُعتَبَر متنبئاً جيداً بنتائج الانتخابات في بريطانيا وبلدان أخرى. فقد كنت رئيس حزب يوماً ما على أية حال.

والآن أستطيع أن أعترف لكم بالطريقة التي كنت أتبعها. لم يكن الأمر مبنياً على أي رؤية سياسية جديدة. ولم أكن أمتلك خوارزمية سحرية مرتبطة بعوامل اقتصادية تؤثر على نوايا التصويت ــ وإن كنت أعتقد أن هناك بعض الارتباط بين صافي الدخل القابل للتصرف وكيف يصوت الناس عادة. ولكن أسلوبي الخاص، الذي لا زلت أستخدمه، أثبت أنه يمكن التعويل عليه أكثر حتى من الدراسة المتأنية للدواخل السياسية العميقة لكل جمهور انتخابي.

الواقع أن ما أقوم به ليس متطوراً للغاية: فأنا أراقب ترجيحات وكلاء المراهنات. وقد أثبت ذلك أنه عظيم القيمة في الاستفتاء الاسكتلندي على الاستقلال في سبتمبر/أيلول الماضي. فقبل يومين من إحصاء عدد الأصوات، كان وكلاء المراهنات يدفعون للمقامرين الذين راهنوا على أن اسكتلندا سوف تصوت برفض الاستقلال. وجاء التصويت مطابقاً لذلك بالفعل.

إن أسلوبي يستند إلى حد كبير على ملاحظة مفادها أنك نادراً ما تسمع عن وكيل مراهنات فقير. وعلى هذا فإنا أطبق القول المأثور الشهير للكاتب الأميركي ديمون رونيون: "السباق ليس دائماً من نصيب السريع، والمعركة ليست دوماً لصالح القوي، ولكن هكذا نراهن على أية حال".

والمشكلة الآن هي أن الانتخابات العامة البريطانية في مايو/أيار متقاربة للغاية. لذا فإن ترجيحات وكلاء المراهنات هي 2:5 لعدم تمكن أي حزب من الفوز بأغلبية مطلقة، و10:11 لفوز حزب العمال أو حزب المحافظين بالعدد الأكبر من المقاعد.

ولهذا فإنا لا أستطيع أن أتنبأ بالنتيجة، ولا يستطيع أن يتنبأ بها حتى سادة الكون في مدينة لندن، الذين يصابون دوماً بالعصبية الشديدة والتوتر في مواجهة عدم اليقين السياسي. وكل ما أستطيع القيام به هو أن أحاول تفسير أسباب عدم اليقين.

PS Events: Climate Week NYC 2024
image (24)

PS Events: Climate Week NYC 2024

Project Syndicate is returning to Climate Week NYC with an even more expansive program. Join us live on September 22 as we welcome speakers from around the world at our studio in Manhattan to address critical dimensions of the climate debate.

Register Now

أولا، وكما هي الحال في العديد من الديمقراطيات الأخرى، كان دعم الحزبين السياسيين الرئيسيين في المملكة المتحدة في انحدار في الآونة الأخيرة. فعندما أصبحت مهتماً بالسياسة لأول مرة قبل خمسين عاماً تقريبا، كان حزب العمال وحزب المحافظين يجتذبان نحو 90% من الأصوات الشعبية. أما في شهر مايو فإن مجموع حصتيهما سوف يكون نحو 65% إلى 70%.

ويرجع هذا إلى عِدة أسباب. يتلخص أحدهم في انحدار الطبقة العاملة التقليدية ونمو طبقة متوسطة أكثر ثراء، بدعم من التغيرات التي طرأت على المهن والإسكان. كما تراجعت العضوية النقابية والتوظيف في القطاع العام. وانخفض عدد الأشخاص الذين ينضمون إلى الأحزاب السياسية بشكل حاد مع تضاؤل الانتماء الإيديولوجي إلى اليسار أو اليمين.

أضف إلى هذا صعود الأحزاب الشعبوية والقومية في بريطانيا، والذي يرجع جزئياً إلى التغريب السياسي والاقتصادي الناجم عن العولمة والمتاعب الاقتصادية، فيتبين لك أن حزب العمال وحزب المحافظين يتقاتلان على دعم متضائل. وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى دعم حزب العمال بنسبة 34% ودعم حزب المحافظين بنسبة 32%. كانت شعبية حزب العمال في انحدار من أعلى الثلاثينات على مدى العامين الماضيين؛ وظل حزب المحافظين عالقاً حول مستوى 30%.

والواقع أن العديد من العوامل تجعل التنبؤ بالنتائج أكثر صعوبة. فبادئ ذي بدء، يميل النظام الانتخابي بشكل حاد لصالح حزب العمال. فانتخاب نائب محافظ يتطلب عدداً أكبر من الأصوات اللازمة لانتخاب نائب من حزب العمال، وذلك نظراً للتمثيل المفرط لبريطانيا الحضرية وبعض المناطق ذات الغالبية من العمال في المناطق الريفية. ونتيجة لهذا فإن حسابات دارسي الانتخابات السياسية تشير إلى أن المحافظين لابد أن يفوزوا بما لا يقل عن 4% من الأصوات الشعبية زيادة على الأصوات لصالح العمال لكي يفوزوا بعدد أكبر من المقاعد.

وثانيا، هناك حزب استقلال المملكة المتحدة المعادي للأجانب والمناهض للاتحاد الأوروبي، والذي يقتطع من حزب المحافظين عدداً من الأصوات ــ ربما يصل إلى 50% ــ أكثر من العدد الذي يقتطعه من حزب العمال. ويبدو الأمر وكأن الدعم الذي يحظى به حزب استقلال المملكة المتحدة ربما بلغ ذروته، وأن بعض الأصوات ربما بدأت تتسرب منه. ولكن لا أحد يعلم حقاً إلى أي مدى قد يضر حزب استقلال المملكة المتحدة بفرص المحافظين.

وثالثا، على الجانب الآخر من السياج، يبدو أن الحزب الوطني الاسكتلندي يجتذب عدداً كبيراً من مؤيدي حزب العمال سابقا. الواقع أن العديد من الناخبين من الطبقة العاملة في غرب اسكتلندا اعتادوا على التصويت لصالح الحزب الوطني الاسكتلندي في انتخابات البرلمان الاسكتلندي. ولكن البعض يعتقدون أن هذا النمط انقطع بسبب الشعور بأن حزب العمال كان يتعامل مع مؤيديه التقليديين باعتبارهم أمراً مفروغاً منه. ويبدو أن إد ميليباند، زعيم حزب العمال، يفتقر إلى الشعبية في اسكتلندا بقدر ما يفتقر إليها نظيره المحافظ رئيس الوزراء ديفيد كاميرون.

الواقع أن المحافظين متقدمون بالفعل في استطلاعات الرأي في مجال الزعامة. وهم متقدمون بنسبة كبيرة في ما يتصل بالقضايا الاقتصادية أيضا، حيث تواصل الأخبار دعم ادعاء الحزب بأن تعافي النمو وتشغيل العمالة، بجانب انخفاض معدل التضخم، بدأ يعود بالفائدة على البلاد بالكامل. وسوف يتفوق المحافظون في المجال الاقتصادي، كما فعلوا في عام 1992، عندما فازوا بالانتخابات بشكل صريح لآخر مرة.

ومن جانبه، سوف يسعى حزب العمال إلى تركيز انتباه الناخبين على القضايا التي يُعتَقَد أنها سامّة للحكومة، مثل الخدمات الصحية الوطنية. ومع انطلاق الحملة الانتخابية بالفعل، فلا ينبغي لأحد أن يتوقع من الأبطال الرئيسيين أن يبتعدوا كثيراً في الأسابيع المقبلة عن الموضوعات التي تبنوها بالفعل.

ولكن ماذا قد يحدث إذا جاءت النتائج متوافقة مع تنبؤات المراهنين؟ من المحتمل أن نشهد عدة أشهر من المحاولات لتشكيل الائتلافات من تحالفات بعيدة الاحتمال؛ ثم ربما نشهد انتخابات أخرى (على افتراض أن البرلمان قادر على تغيير القانون الذي ينص على مواصلة مدته لخمس سنوات).

أتمنى أن لا نصل إلى مثل هذه النتيجة، وأن يظل كاميرون الرجل الوحيد الصامد ــ كما يستحق. ولكن قبل أن أضع هذا الرهان، سوف أرى ماذا قد يقول وكلاء المراهنات.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/4ucgGeUar