wb1094.jpg

ما وراء حملة الكربون

كوبنهاجن ـ إن القسم الأعظم من الحوار الدائر الآن بشأن تغير المناخ يتعامل في جوهره مع سؤال مثير للشقاق والغضب: ما حجم التخفيض الواجب للانبعاثات الكربونية؟

إن هذا التركيز الضيق يجعل الحوار هدَّاماً. فالجميع يريدون منع الانحباس الحراري العالمي، والسؤال الحقيقي ينبغي أن يكون كالتالي: كيف نفعل هذا على أفضل وجه؟ ينبغي لنا أن نكون منفتحين على سبل أخرى لوقف الانحباس الحراري ـ مثل الحد من الانبعاثات الكربونية في المستقبل وليس الآن، أو التركيز على الحد من انبعاث الغازات الأخرى المسببة للانحباس الحراري. لا شك أن الانحباس الحراري سوف يخلق العديد من المشاكل الضخمة، وعلى هذا فإن خفض الانبعاثات الكربونية سوف يعود علينا بفوائد ملموسة. ولكن خفض الانبعاثات الكربونية يتطلب الحد من استهلاك الطاقة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الحديث، أي أن الأمر سوف يشتمل أيضاً على تكاليف ضخمة.

قام عالِم اقتصاد المناخ البارز ريتشارد تول من جامعة هامبورج بتحليل الفوائد والتكاليف المترتبة على خفض الانبعاثات الكربونية الآن في مقابل خفضها في المستقبل. وطبقاً لنتائج التحليل فإن خفض الانبعاثات الكربونية في وقت مبكر سوف يتكلف 17,8 تريليون دولار، في حين أن تكاليف خفضها في وقت لاحق سوف تكون 2 تريليون دولار فقط. ورغم ذلك فإن مستوى انخفاض تركيزات ثاني أكسيد الكربون ـ وبالتالي درجات الحرارة ـ بحلول عام 2100 سوف يكون أعظم إذا بدأنا بالحد من الانبعاثات في المستقبل. إن الحد من الانبعاثات الآن سوف يكون أكثر تكلفة وذلك لأن البدائل غير المكلفة للوقود الأحفوري قليلة للغاية الآن. والأمر ببساطة أن الأموال التي قد ننفقها الآن لن تشتري لنا قدر ما قد تشتريه لنا حين تصبح مصادر الطاقة الخضراء أكثر توفراً وجدوى من حيث التكلفة.

لقد أثبت تول على نحو مذهل أن الوعود بتخفيض الانبعاثات الكربونية بصورة جذرية وفورية ـ والتي تذكرنا بدعوة بعض الساسة وجماعات الضغط إلى خفض الانبعاثات بنسبة 80% بحلول منتصف القرن ـ تُـعَد وسيلة مكلفة إلى حد مهول لتحقيق قدر ضئيل من الخير في النهاية. والواقع أن كل النماذج الأكاديمية تبين أن الحد من زيادة درجات الحرارة العالمية، حتى ولو كان ذلك ممكناً بالفعل كما وعد الاتحاد الأوروبي ومجموعة الثماني، سوف يتكلف 12,9% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية هذا القرن. وهذا يعادل فرض تكلفة تتجاوز أربعة آلاف دولار عن كل مواطن سنوياً، بحلول نهاية القرن الحالي. ولكن من المرجح أن تكون قيمة الضرر الذي قد يتجنبه كل مواطن أقل من سبعمائة دولار.

إن التكلفة الحقيقية المترتبة على تنفيذ برامج خفض الكربون الطموحة الآن تتلخص في انخفاض مستويات النمو ـ وهو ما سوف يكون مدمراً بصورة خاصة لفقراء العالم ـ بما يعادل حوالي أربعين تريليون دولار سنوياً. فضلاً عن ذلك فإن هذه التكاليف سوف تأتي أسرع كثيراً من الفوائد، وسوف تستمر التكاليف لمدة أطول كثيراً. ففي مقابل كل دولار ينفقه العالم على هذه الخطة العظمى، فإن الضرر المناخي الذي يمكن تجنبه لن يتجاوز سِنتين من الدولار.

من الذكاء أن نتصرف بحذر من خلال فرض ضريبة كربون منخفضة بنحو 0,5 دولار عن كل طن ـ أي حوالي 0,5 سنت أميركي عن كل جالون بنزين أو غاز أو حوالي 0,1 سنت من اليورو في مقابل لتر البنزين ـ وأن نزيد هذه الضريبة تدريجياً على مدى القرن. لن يسفر هذا عن الحد من الانبعاثات الكربونية بصورة كبيرة، ولكنه أيضاً لن يشكل إهداراً جسيماً للموارد العامة. ذلك أن كل دولار سوف يجنبنا ما قيمته 1,51 دولار من الضرر الناتج عن الانحباس الحراري ـ وهي نتيجة جديرة بالاحترام.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

إن فرض الضرائب على الوقود الأحفوري بهدف الحد من الانبعاثات الكربونية يشكل جزءاً معقولاً من حل مشكلة تغير المناخ، ولكنه لا يمثل الحل الوحيد أو الأفضل لمنع الانحباس الحراري. فهناك سبل أخرى للحد من تركيزات الكربون في الغلاف الجوي. ومن بين هذه السبل حماية الغابات، حيث أن قطع الغابات مسؤول عن 17% من الانبعاثات. وإن كنا جادين حقاً بشأن الوعود الكبرى بإبقاء الارتفاع في درجات الحرارة العالمية تحت مستوى درجتين مئويتين، فمن الواضح أننا في حاجة إلى إيجاد السبل اللازمة لتنفيذ هذه الوعود بتكاليف أزهد. ويشير الأستاذ برنت سونجن من جامعة ولاية أوهايو إلى أن الغابات قد تشكل أهمية ملحوظة في هذا السياق ـ بما في ذلك زرع الغابات للسيطرة على غازات الانحباس الحراري ـ في تقليل التكاليف على نحو ما.

فضلاً عن ذلك، ورغم أن الساسة يركزون بالكامل تقريباً على خفض الانبعاثات الكربونية، فإن غاز ثاني أكسيد الكربون ليس الغاز الوحيد المسبب للانحباس الحراري. إن غاز الميثان يشكل ثاني أكبر مسبب للانحباس الحراري. والواقع أن خفض انبعاثات غاز الميثان أرخص من خفض الانبعاثات الكربونية. ولأن عمر غاز الميثان أقل كثيراً من عمر ثاني أكسيد الكربون، فسوف يكون بوسعنا أن نمنع بعض أسوأ تأثيرات الانحباس الحراري في الأمد القصير من خلال الحد من انبعاثاته. إن الإنتاج الزراعي مسؤول عن نصف انبعاثات الميثان الناتج عن أنشطة بشرية، ولكن شبكات الصرف الصحي، ومقالب القمامة، وعمليات التعدين لاستخراج الفحم تتسبب أيضاً في إطلاق غاز الميثان. وتزعم الأستاذة كلوديا كيمفرت من المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية أن إنفاق 14 مليار إلى 30 مليار دولار للحد من انبعاثات غاز الميثان من شأنه أن يعود بفوائد تتراوح ما بين 1,4 إلى ثلاثة أمثال التكاليف.

وبوسعنا أيضاً أن نركز بشكل أكبر على الحد من انبعاثات الكربون الأسود، الذي يُـعَد مسؤولاً عن حوالي 40% من صافي الانحباس الحراري الحالي وحوالي ثلث ذوبان الجليد في القطب الشمالي. إن الكربون الأسود عبارة عن السناج الناتج عن احتراق وقود الديزل، وحرق المواد العضوية ـ في البلدان النامية ـ لطهي الطعام والاستدفاء. ومن الممكن إزالة هذا التأثير باستخدام أنواع وقود أنظف والاستعانة بتقنيات جديدة في طهي الطعام.

إن القيام بهذا من شأنه أيضاً أن يعود بفوائد أخرى. ذلك أن السناج الملوِث الناتج عن حرق الوقود داخل المنازل مسؤول عن وفاة عدة ملايين شخص في كل عام، وعلى هذا فإن الحد من انبعاثات الكربون الأسود من شأنه أن ينقذ أرواح البشر. وطبقاً لتقديرات فريق من خبراء الاقتصاد تحت قيادة ديفيد مونتجمري فإن إنفاق 359 مليون دولار يكفي فعلياً لخفض 19% من انبعاثات الكربون الأسود. وهذا من شأنه أن يخلف أثراً مبرداً واضحاً لدرجة حرارة كوكب الأرض، ومن شأنه أيضاً أن ينقذ أرواح مائتي ألف إنسان. إن الفوائد التي ستعود علينا سنوياً من هذا قد تعادل عدة مليارات من الدولارات، أو ما يوازي 3,6 دولار من الضرر الذي سوف نتجنبه في مقابل كل دولار ننفقه.

إن حساب التكاليف والفوائد أمر بالغ الأهمية. ولا شك أن الحل الأفضل لمشكلة تغير المناخ هو الحل الذي يعود بأعظم قدر من النفع بأقل تكاليف ممكنة. وإذا اعتبرنا هذا بمثابة نقطة الانطلاق لنا، فمن الواضح أن التركيز الضيق على خفض الانبعاثات الكربونية في الأمد القريب يُـعَد سلوكاً معيباً بشكل واضح. وهذا يقودنا إلى سؤال أشد أهمية: ما الذي يمنعنا من اختيار حل ناجع بالفعل لمشكلة الانحباس الحراري العالمي؟

https://prosyn.org/IfyCgYlar