صوت ضد التصويت في باكستان

إسلاماباد ـ مع استعداد باكستان لانتخاباتها البرلمانية في الثامن عشر من فبراير/شباط، يأمل العديد من المراقبين أن تكون هذه الانتخابات بمثابة المؤشر لبداية عصر جديد من الاستقرار والهدوء في باكستان من خلال إضفاء الشرعية الشعبية على الحكومة. بيد أن أفضل السبل لخدمة الديمقراطية في بعض الأحيان قد تكون برفض المشاركة. وينطبق هذا على الانتخابات القادمة المقرر انعقادها في ظل النظام الدستوري غير القانوني المؤقت الذي بدأت الحكومة العمل به في أعقاب الرئيس برويز مُـشَرَّف لحالة الطوارئ في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2007. وهذا هو السبب الذي يجعل حزبي والأحزاب المشاركة له في التحالف تقاطع هذه الانتخابات.

من المؤكد أن تحدي الانتخابات من شأنه أن يزود حزبي بفرصة كبرى في النزول بالقضايا إلى الناس. والحقيقة أن التأييد الذي يحظى به حزبي كان في تنامي متواصل، حيث تشير استطلاعات الرأي الآن إلى أنه ثاني أكبر حزب من حيث الشعبية في الإقليم الحدودي ـ ويكتسب المزيد من الأرض في كل الأقاليم الأخرى.

بيد أن الانتخابات في حد ذاتها لا تجلب الديمقراطية. فالرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي يعشق الانتخابات، كما ظل الرئيس المصري حسني مبارك يعقد الانتخابات طيلة سبعة وعشرين عاماً. وفي أوزباكستان ظل الرئيس إسلام كريموف في السلطة طيلة ثلاثين عاماً، ثم أعيد "انتخابه" لمدة سبع سنين أخرى. إن الانتخابات تظل بلا معنى إلا إذا أثبتت نزاهتها، وهو ما يتطلب وجود محكمين مستقلين.

حين بدأ حزبي العمل منذ أحد عشر عاماً، أطلقنا على أنفسنا "حركة من أجل العدالة". ولقد طالبنا بنظام قضائي مستقل، لأننا كنا على اقتناع تام بأن الديمقراطية والرخاء مستحيلان بدون حكم القانون، وأن حكم القانون يتطلب جهازاً قضائياً قادراً على العمل كأداة لكبح الحكومة. ونظراً لتعليمنا الجامعي في بلدان غربية فقد ألهمنا نظام الضوابط والتوازنات الأميركي.

لذا فقد صدمنا حين رأينا كيف تتحدث وزارة الخارجية الأميركية مراراً وتكراراً عن الانتخابات الحرة النزيهة وضرورة إلغاء حالة الطوارئ، ولكن دون أن تتحدث عن ضرورة عودة القضاة الذين عزلهم مُـشَرَّف دون سند قانوني ـ بما في ذلك رئيس المحكمة العليا ـ إلى مناصبهم. وإذا لم يعد القضاة إلى مناصبهم فكيف ننتظر انتخابات حرة نزيهة؟ ومن سيقرر مدى حرية ونزاهة الانتخابات؟ مُـشَرَّف؟

هذا هو الخط الفاصل في المعركة، وهنا سيتقرر مصير البلاد. إذا ما أعيد رئيس المحكمة العليا والقضاة إلى مناصبهم فلسوف يكون بوسعنا نتقدم نحو نظام ديمقراطي حقيقي. أما إذا نجح مُـشَرَّف في ترسيخ أقدام قضاته التابعين للنظام الدستوري المؤقت في البلاد، فهذا يعني أننا في طريقنا إلى فترة طويلة من الاضطرابات. فكيف للحزب الذي يحظى رجله بتأييد شعبي لا يتجاوز الخمسة في المائة أن يفوز بالانتخابات الآن دون التلاعب بها؟

PS_Sales_BacktoSchool_1333x1000_Promo

Don’t go back to school without Project Syndicate! For a limited time, we’re offering PS Digital subscriptions for just $50.

Access every new PS commentary, our suite of subscriber-exclusive content, and the full PS archive.

Subscribe Now

مما يدعو للأسف أن أغلب الأحزاب السياسية فشلت في الوقوف في صف العملية الديمقراطية. فقد قررت الأحزاب الرئيسية مثل حزب جامعة باكستان المسلمة ( نواز ) المشاركة في الانتخابات، مجاراة لحزب الشعب (الفقيدة بينظير بوتو ). ومن بين كل الأحزاب الرئيسية التي تشكك في صحة الانتخابات، لا يطالب سوى حزب جامعة باكستان المسلمة التابع لنواز شريف بإعادة القضاة إلى مناصبهم.

من حسن الحظ أن الشعب الباكستاني ـ الطلاب، وأصحاب الرأي، والمحامين في المقام الأول ـ يناصر القضاة، ويأخذ على عاتقه العمل الذي كان من واجب الأحزاب السياسية أن تضطلع به. والآن نرى كيف ينظم المحامون المسيرات، ويتعرضون للضرب، ويزجون في السجون، لكنهم يظلون على قوة عزيمتهم رغم كل ذلك. ومن المعروف أنهم يتكبدون خسائر مالية هائلة بسبب مقاطعتهم للمحاكم، إلا أنهم يصرون على عودة رئيس المحكمة العليا إلى منصبه.

وعلى هذا فإن الخط الفاصل في باكستان ليس بين الليبراليين والمتطرفين، ولكن بين هؤلاء الذين يؤيدون الوضع الراهن وبين أولئك الذين يعارضونه. والأحزاب التي تسمي نفسها بالديمقراطية لا تساير مُـشَرَّف في هذه الانتخابات الزائفة فحسب، بل إنها تساعد أيضاً في استعادة الوضع الراهن.

إن الحل للديمقراطية المعطلة لا يكمن في الدكتاتورية العسكرية، بل في المزيد من الديمقراطية. والشعب الباكستاني يفهم الديمقراطية حق الفهم، وذلك لأننا نتمتع بثقافة ديمقراطية. وكان مؤسس بلادنا واحداً من أعظم أنصار الدستورية، ولقد خرجت باكستان إلى الوجود عن طريق التصويت. وكانت المشكلة الكبرى أننا لم تكن لدينا هيئة انتخابية مستقلة بسبب افتقارنا إلى نظام قضائي مستقل. لذا فقد تعرضت كل انتخاباتنا، باستثناء انتخابات 1970، للتزوير والتلاعب.

كانت الهند، التي تشترك مع باكستان في خلفية تاريخية مشابهة، قد مرت بأربعين سنة من الديمقراطية المعطلة تحت ظل حكم الحزب الواحد. إلا أنها بدأت أثناء الأعوام الستة عشر الماضية في حصد ثمار المنافسة الديمقراطية الحقيقية، وذلك بعد أن أصبح الناس على يقين من تأثير أصواتهم الانتخابية بفضل وجود النظام القضائي المستقل والهيئة الانتخابية المستقلة. وإلى أن نحصل على نفس الشيء في باكستان فلن نحظى بأي انتخابات نزيهة أو حرة.

كنت على امتداد عامين ونصف العام أؤيد مُـشَرَّف وكنت أصدق وعوده في ترسيخ الديمقراطية الحقيقية في باكستان. والآن أدركت خطأي بشأن مُـشَرَّف . ولكن الأهم من ذلك أن ندرك تمام الإدراك أن أي دكتاتور عسكري لن ينجح فيما فشل فيه مُـشَرَّف بوضوح. ذات يوم قال ونستون تشرشل : "الحرب عمل أخطر من أن يوكل إلى الجنرالات". والحقيقة أن نفس القول يصدق على الديمقراطية.

https://prosyn.org/wK4AaM3ar